فصل: الصنف الحادي والعشرون المكاتبة بالإحماد والإذمام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الصنف الحادي والعشرون المكاتبة بالإحماد والإذمام

قال في مواد البيان‏:‏ السلطان محتاج إلى مكاتبة من يقف منه على طاعة واجتهاد ومناصحةٍ وإخلاص بالشكر والإحماد والبعث على الازدياد من المخالصة وحسن السعي في الخدمة وغيرها مما يرتبط به النعمة ويستوجب معه حفظ الرتبة ومكاتبة من يعثر منه على تقصير وتضجيع وتفريط وتضييع بالذم والتقريع والتأنيب لأنه لا يخلو أعوان السلطان من كفاة يستديم كفايتهم بتصويب مراميهم واستحسان مساعيهم وإحمادهم على تشميرهم وشرح صدورهم ببسط آمالهم والعدة برفع منازلهم ومحالهم وتمييزهم على نظرائهم وأشكالهم وتحذيرهم من التوبيخ وتقديم الأعذار والتخويف من سقوط المراتب وقبح المصاير والعواقب‏.‏

قال‏:‏ وينبغي للكاتب أن ينتهي في خطاب من انتهى في الحالين إلى غايتيهما إلى المعاني الناجمة في الغرضين ويتوسط فيهما سيما التوسط الذي يقتضيه الحال المفاض فيها لأن في ذلك تقديراً للمحسن على إحسانه ونقلاً للمسيء عن إساءته لأنه إذا علم الناهض أنه مثاب على نهضته والواني أنه معاقب على ونيته اجتهد هذا في الاستظهار بخدمته بما يزيد في رتبته وخاف هذا من حط منزلته وتغير حالته ثم قال‏:‏ والرسوم في هذه المكاتبات تختلف بحسب اختلاف أغراضها وتتشعب بتشعب معانيها والأمير في ذلك موكول إلى نظر الكاتب العارف الكامل ووضعه كل شيء في موضعه وترتيبه إياه في مرتبته‏.‏

فأما المكاتبة بالإحماد فكما كتب عن صمصام الدولة بن عضد الدولة بن بويه إلى حاجب الحجاب أبي القاسم سعد بن محمد وهو مقيم بنصيبين على محاربة باد الكردي‏:‏ كتابنا ووصل كتابك مؤرخاً بيوم كذا تذكر فيه ما جرى عليه أمرك في الخدمة التي نيطت بكفايتك وغنائك ووكلت إلى تدبيرك ووفائك من رد باد الكردي عن الأعمال التي تطرقها وحدث نفسه بالتغلب عليها وتصرفك في ذلك على موجبات الأوقات والتردد بين أخينا وعدتنا أبي حرب زياد بن شهراكويه وبينك من المكاتبات وحسن بلائك في تحيفه ومقاماتك في حص جناحه وآثارك في الانقضاض على فريقٍ بعد فريق من أصحابه واضطرارك إياه بذلك وبضروب الرياضات التي استعملتها والسياسات التي سست أمره بها إلى أن نزل عن وعورة المعصية إلى سهولة الطاعة وانصرف عن مجاهل الغواية إلى معالم الهداية وتراجع عن السوم إلى الاقتصار وعن السرف إلى الاقتصاد وعن الإباء إلى الانقياد وعن الاعتياص إلى الإذعان وأن الأمر استقر على أن قبلت منه الإنابة وبذلت له فيما طلب الاستجابة واستعيد إلى الطاعة واستضيف إلى الجماعة وتصرف على أحكام الخدمة وجرى مجرى من تضمه الجملة وأخذت عليه بذلك العهود المستحكمة والأيمان المغلظة وجددت له الولاية على الأعمال التي دخلت في تقليده وضربت عليها حدوده وفهمناه‏.‏

وقد كانت كتب أخينا وعدتنا أبي حربٍ زياد بن شهراكويه مولى أمير المؤمنين ترد علينا وتصل إلينا مشتملة على كتبك إليه ومطالعاتك إياه فنعرف من ذلك حسن أثرك وحزم رأيك وسداد قولك وصواب اعتمادك ووقوع مضاربك في مفاصلها وإصابة مراميك أغراضها وما عدوت من مذاهبك كلها ومتقلباتك بأسرها المطابقة لإيثارنا والموافقة لما أمرت به عنا ولا خلت كتب أخينا وعدتنا أبي حرب من شكرٍ لسعيك وإحماد لأثرك وثناء جميل عليك وتلويح وإفصاح بالمناصحة الحقيقية بك والموالاة اللازمة لك والوفاء الذي لا يستغرب منه مثلك ولا يستكثر ممن حل في المعرفة محلك ولئن كنت قصدت في كل نهج استمررت عليه ومعدلٍ عدلت إليه مكافحة هذا الرجل ومراغمته ومصابرته ومنازلته والتماس الظهور عليه في جميع ما تراجعتماه من قول وتنازعتماه من حد فقد اجتمع لك إلى إحمادنا إياك وارتضائنا ما كان منك المنة عليه إذ سكنت جأشه وأزلت استيحاشه واستللته من دنس لباس المخالفة وكسوته حسن شعار الطاعة وأطلت يده بالولاية وبسطت لسانه بالحجة وأوفيت به على مراتب نظرائه ومنازل قرنائه حتى هابوه هيبة الولاة وارتفع بينهم عن مطارح العصاة‏.‏

فالحمد لله على أن جعلك عندنا محموداً وعند أخينا وعدتنا أبي حرب مشكوراً وعلى هذا الرجل ماناً وفي إصلاح ما أصلحت من الأمر مثاباً مأجوراً وإياه نسأل أن يجري علينا عادته الجارية في إظهار آياتنا ونصرة أوليائنا والحكم لنا على أعدائنا وإنزالهم على إرادتنا طوعاً أو كرهاً وسلماً أو حرباً فلا يخلو أحد منهم من أن تحيط لنا بعنقه ربقة أسر أو منة عفو إنه جل ثناؤه بذلك جدير وعليه قدير‏.‏

ويجب أن تنفذ إلى حضرتنا الوثيقة المكتتبة على باد الكردي إن كنت لم تنفذها إلى أوان وصول هذا الكتاب لتكون في خزائننا محفوظة وفي دواويننا منسوخة وأن تتصرف في أمر رسله وفي بقية - إن كانت بقيت من أمره - على ما يرسمه لك عنا أخونا وعدتنا أبو حرب فرأيك في العمل على ذلك وعلى مطالعتنا بأخبارك وأحوالك وما يحتاج إلى علمه من جهتك موفقاً إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما الإذمام فيختلف الحال فيه باختلاف الملوم فيه والمذموم بسببه‏.‏

فمن ذلك الذم على ترك الطاعة وشق العصا‏.‏

كما كتب عمارة يصف شخصاً بأنه لما ارتفع مكانه وعلا قدره بطر معيشته وخرج عن طاعة الخليفة وأن فلاناً كان ممن عرفت حاله في غموض أمره وخمول ذكره وضيق معيشته وقلة عدده وناهضيه ولا يتجاوز حياته ما يقوله ولا يتعاطى ما وراء ذلك ولا يرومه ولا يمنيه نفسه ولا يدفع يد لامس عنه بقوة تنوء بملأ ولا عز يلجأ إليه فأنعم عليه أمير المؤمنين وأكرمه وشرفه وبلغ به الغاية التي لم يكن يرجوها ولا ترجى له وبسط له من الدنيا وآتاه من غضارتها ونعيمها وعزها وسلطانها ما لم يؤت أحداً من أهل زمانه فلما مكن الله له في الدنيا طغى وتجبر وعلا وتكبر وظن أن الذي كان فيه شيء قاده إلى نفسه بحوله وقوته وتهويلاً من أما بعد فقد بلغ أمير المؤمنين عنك أمر لم يحتمله لك إلا ما أحب من رب صنيعته قبلك واستتمام معرفته إليك وكان أمير المؤمنين أحق من أصلح ما فسد منك وإنك إن عدت لمثل مقالتك وما بلغ أمير المؤمنين عنك رأى في معالجتك رأيه فإن النعمة إذا طالت بالبعد ممتدة أبطرته فأساء حمل الكرامة واستثقل العافية ونسب ما هو فيه إلى حيلته وحسن نبته ورهطه وعشيرته وإذا نزلت به الغير وانكشفت عماية العشي عنه ذل منقاداً وندم حسيراً وتمكن منه عدوه قادراً عليه وقاهراً له ولو أراد أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك ومعاجلة إفسادك جمع بينه وبين من شهد فلتات خطئك وعظيم زلتك ولعمري لو حاول أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك في مجلسك وجحودك فضله عليك لردك إلى ما كنت عليه ولكنت مستحقاً‏.‏

وفي مثله‏:‏ فإن صاحب البريد كتب إلي عن أصحابك بكذا فقلت‏:‏ إنهم لم يقدموا على ما أقدموا عليه حتى عجموك فعرفوا خور عودك وضعف مكسرك ومهانة نفسك وأنه لا غير عندك ولا نكير‏.‏

ومن ذلك الذم على الخطأ كما كتب أحمد بن يوسف‏:‏ كأن البخل والشؤم صارا معاً في سهمه وكانا قبل ذلك في قسمه فحازهما لوارثه واستحق ما أستملك منهما بالشفعة وأشهد على حيازتهما أهل الدين والأمانة حتى خلصا له من كل ممانع وسلما له من تبعة كل منازع فهو لا يصيب إلا مخطئاً ولا يحسن إلا ناسياً ولا ينفق إلا كارهاً ولا ينصف إلا صاغراً‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية لا يمنع وقوعه في وقت من الأوقات فإن عرض له موجب راعى الكاتب فيه صورة الحال وكتب على ما يوجبه المقام وتقتضيه الوقعة‏.‏

الصنف الثاني والعشرون ما يكتب مع الإنعام لنواب السلطنة بالخيل والجوارح وغيرها من أنواع الإنعامات وهذا الصنف من المستعمل في زماننا كل وقت فأما ما يكتب مع الإنعام بالخيل فقد جرت العادة أن السلطان ينعم بالخيل على نواب السلطنة بالشام ويكتب بذلك مثالات شريفة إليهم وربما أنعم بالخيل وكتب بها في غير ذلك‏.‏

وهذه نسخة مثال شريف من ذلك‏:‏ ضاعف الله تعالى نعمة الجناب وخصه من النعم بما لا تحصى له آثار ولا يتعلق له بغبار ولا يوصف بحال واحدة لأنه إن جرى فبحر وإن وقف فنار‏.‏

صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي بكل سلام لا تدرك لسوابقه غاية ولا تحصى له نهاية ولا يرد منه كل ما جاء وله في وجهه كفلق الصبح آية ولا يتقدم في ميدان إلا وقد حمل له في كل مكان راية‏.‏

وتوضح لعلمه الكريم أنه قد جهز له قرينها ما جرت به عادته من الحصن التي لا يدعي البرق أن لها نظير ولا تجاري الرياح من سوابقها ما يطير كم لها في ميدان مجال وكم لها في رؤية دوية ارتجال وكم دعي الوغى بها على كل ضامرٍ فأتت رجالاً تقدح سنابكها ناراً وتفيض جوانبها من الركض عقاراً ويتكفل بديعها بكل مرام ويعطي ما في يديها لأنها من الكرام وقد تشرفت من نعمنا الشريفة بالسروج واللجم والعدة المكملة وتحلت من الذهب والفضة ما يغني بجملته المفضلة وأرسلناها إليه ترقص في أعنتها زهواً وتترك بطيب صهيلها كل بحر تخوضه إلى المنايا رهواً وتوجه بها فلان كالعرائس المجلوة في حللها والنجوم لولا ما تميزت به من حلي عطلها والسحاب إلا أنها لا تحتاج منة الرياح في تنقلها‏.‏

فليقابل هذه النعمة الشريفة بشكرها وليتسلم هذه الصدقات العميمة التي تعترف كل نعمة بقدرها وليحمد الله من تفقداتنا الشريفة على كرم فرس جاء وهو سابق وجود لا يدور معه السحاب في طابق ويعتمدها لارتقاء كل صهوة منيفة وجهاد أعداء الله عليها بين أيدينا الشريفة ويعيد الواصل بها إلى خدمة أبوابنا العالية والله تعالى يديم عليه بنا النعم المتوالية إن شاء الله تعالى‏.‏

آخر‏:‏ ولا زال إقبالنا يمده من الصافنات الجياد بما يباري الرياح ويتيمن بغررها الصباح ويطلق أعنتها في حلبة السباق فتسبق بركضها ذوات الجناح ولا برح إنعامنا يتحفه بكل طرف يبهج الطرف ويثلج الصدر بما استمد عليه من الملاحة التي تروق العين وتفوق الوصف ويفرده بما اجتمع فيه من الحسن واليمن إذ هو واحد كالألف تهدي إليه سلاماً تعبق بطيب نشره أرجاءه وثناء يعرب عما في ضميره من علو قدره وسمو ذكره فيشرق سناؤه ويضاعف ثناؤه وتوضح لعلمه الكريم أنه غير خاف عنه ما يصل إلى أبوابنا الشريفة من الخيول البرقية في كل عام وما نخصه منها لكل ميمون الغرة مبارك الطلعة هنيء السير على الإنعام وقد أرسلناه إلى جنابه الكريم من ذلك سهمه وأضفنا إلى ذلك ما استصلحناه من الخيل العربية الغربية والعتاق العجمية العربية مما الخير معقود بنواصيها فتزهق على صهواتها نفوس الأعداء وتستنزلها من صياصيها فيأخذ الجناب العالي ما يخصه من ذلك ويفرق الباقي على من رسمنا له من بيمن رأيه المبارك الذي لا يساهمه فيه أحد ولا يشارك ويجهز الخيل المخصوصة بفلان إليه والله تعالى يضاعف عز ظهورها عند امتطائها لديه‏.‏

وأما ما يكتب مع الإنعام بالجوارح فمما يكتب مع إرسال سنقر‏:‏ وقد بعثنا بسنقر كأنه ملك متوج ورزق مروج تجرأ على سفك الدماء وأبى أن يطلب رزقه إلا من السماء يود الكركي لو خلص من مخالبيه ويخاف أن يسلم من خرط الشبكة ويقع في كلاليبه ويدرك الصيد ولا يؤجله ويرفع صدره ثم يومي إليه برأسه كأنه يستعجله قد جمع من المحاسن كل الصنوف وكتبت عليه أسطر تقرأ بما تقرى به الضيوف‏.‏

ومما يكتب مع إرسال صقر‏:‏ وقد وجهنا إليه بصقر لا تؤسى له من الصيد جراح ولا يدع من وحش يسرح ولا طائر يطير بجناح أينما توجه لا يأت إلا بخير وحيثما أطلق كان حتف الوحش والطير يدع أقطار الفلاة مجزرة أو روضة بالدماء مزهرة يجد إلى الطير في عنقه ويحلق إلى السماء فيرجع طائره في عنقه تخافه العفر على نفوسها وتخضع له ولأمثاله فما يخرج إلا والطير على رؤوسها يزيد خبره في مظان الصيد على الخبر وتخرج الظباء وقد تسجت خوفاً منه في ملاءة من العجاج مخيطة من قرونها بالإبر شديد الأيد قد بنى على الكسر حروف الصيد يحمد مقتنيه أيامه الغر ويقول له إذا تلفت إلى الصيد‏:‏ إن جلبت ضبعاً فأنت حر لا يصحب مستصحبه معه إلا مزاده وأينما سار حامله - وهو معه - كان معه زاده‏.‏

ومما يكتب مع إرسال شاهين‏:‏ وقد وجه إليه حلق وراء الطير شاهت به الوجوه وشاهدت الآمال به ما ترجوه قد أصبح كل محلق الجناح رهين يده وكل سارب من الوحش طعام يومه أو غده لا يتعبه خلف الطريدة بعد المدى ولا يرده خوف مسافة ولا يقحم ردى ريبة عام لم يمتع بطول ما دهر وممتدة منه في الطلق مثل ريح سليمان غدوها شهر ورواحها شهر‏.‏

ومما يكتب مع إرسال كوهية‏:‏ وقد جهزنا إليه كوهية هي بالمحاسن حرية ولكثرة الإقدام جرية يكل بها صاحبها أمر مطبخه ويمدها من الطير من ليس بمصرخه لا نعف عن دم ولا ترى أطرافها إلا مثمرة بعناب أو مخضبة بعندم قد أخلت من كل سانح ولبست زي الراهب المتعبد وفتكت بكل سائح‏.‏

ومما يكتب مع سقاوة‏:‏ وقد جهزنا إليه بقساوة مخاليبها على الطير كالحديد أو أشد قساوة تسيل دماء الصيد كالمذانب وتكسو الأرض حبراً من رياش الحبارى وفراء من جلود الأرانب وجعلت في قبضة الكف ما كانت العين عليه تدور وتكفلت بكفاية المطبخ وملأت القدور‏.‏

ومما يكتب مع إرسال باز‏:‏ وقد بعثنا بباز مهما لقي لقف ومهما خطا لديه خطف كأنما خط جوهره بقلم أو ريش عليه من الصباح والظلم قد أعد للطوارق وادرأ بمثل الطوارق قد دحض حجج الحجل وكسرها حتى أبان عليها حمرة الخجل لا يسأل في الصيد عما نهب ولا تعرف قيمة إلا أن له عيناً من الذهب‏.‏

ومما يكتب مع الفهد‏:‏ وقد أنعمنا عليه بفهد أهرت الشدق ظاهر الحذق بادي العبوس مدنر الملبوس شثن البراثن ذي أنياب كالمدى ومخالبه كالمحاجن قد أخذ من الفلق والغسق إرهاباً وتقمص من نجل الحدق جلباباً يضرب المثل في سرعة وثوب الأجل به وبشبهه وتكاد الشمس مذ لقبوها بالغزالة لا تطلع من الوجل على وجهه يسبق إلى الصيد مرامي طرفه ويفوت لحظ مرسله إليه فلا يستكمل النظر إلا وهو في كفه وتتقدمه الضواري إلى الوحش فإذا وثب له تعثرت من خلفه‏.‏

وأما ما يكتب مع الإنعام بالسلاح‏:‏ فمن ذلك‏:‏ وقد جهزنا إليه سيفاً تلمع مخايل النصر من غمده وتشرق جواهر الفتح في فرنده وإذا سابق الأجل إلى قبض النفوس عرف الأجل قدره فوقف عند حده ومتى جرد على ملك من ملوك العدا وهت عزائمه وعجز جناح جيشه أن تنهض به قوادمه وعلم أنه سيفنا الذي على عاتق الملك الأعز نجاده وفي يد حبار السموات قائمه‏.‏

الصنف الثالث والعشرون المكاتبة بالبشارة عن الخليفة بولد رزقه والرسم فيها أن يذكر شرف الخلافة وعلو رتبتها ويشير إلى تخصيص الخلافة بمصيرها إليه دون سائر البرية وانتقالها إليه بالتوارث من آبائه الطاهرين كابراً عن كابر وبقائها في عقبه إلى الأبد‏.‏

ثم يتخلص إلى ذكر النعمة على أمير المؤمنين التي أنعمها الله تعالى عليه وأن من أعظمها نعمة أن رزقه الله تعالى ولداً ويذكر اسمه وكنيته ويصفه بما يناسبه‏.‏

وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك هي‏:‏ الحمد لله مؤيد الإسلام بخلفائه الراشدين ومظهر الإيمان بأوليائه الهادين الذي جعل الإمامة كلمة باقية فيهم إلى يوم الدين وأقام منهم الحاضر المتبع والمرجو المتوقع وأطلع منهم في سماء الهداية شهباً لا يخبو منها شهاب حتى يتوقد شهاب وفتح بهم للإرشاد أبواباً لا يرتح منها باب حتى يفتح باب‏.‏

يحمده أمير المؤمنين أن فوض إليه منازل آبائه ووفقه بانتقال ما ورثه من آبائه إلى أبنائه ويسأله أن يصلي على من كرمه بولادته وشرفه بالانتساب إلى شجرة سيدنا محمد خاتم رسله المترجم عن توحيده وعدله وعلى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب قسيمه في فضله ووصيه على أمته وأهله‏.‏

وإن أولى النعم بأن يفاض في شكرها وتعطر المحافل بنشرها نعمة حاطت دعائم الدين وأمرت حبل المسلمين وتساوى في تناول قطافها الكافة وآذنت بشيوع الرحمة والرأفة وأضحت النبوة مشرقة الأنوار والإمامة علية المنار والخلافة مختالة المنبر والسرير رافلة في حلل الابتهاج والسرور‏.‏

وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد رزقه الله تعالى ولداً ذكراً مباركاً رضياً سماه فلاناً وكناه أبا فلان فجعلا بنهار عرته الدامس وافتر بمقدمه العابس واخضر بيمن نقيبته اليابس ووثقت الآمال بسعادة مقدمه وتطلعت الأعناق إلى جوده وكرمه مبشراً لك بهذه النعمى الحسنة الأثر القليلة الخطر علماً بمكانك من ولائه ومخالصته وسرورك بما يفيضه الله عليه من شآبيب نعمته لتأخذ من المسرة والجذل بحظ المولى المخلص والعبد المتخصص ولتشيع مضمون كتابه فيمن قبلك من الأولياء ليشاركونا في الشكر والثناء فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستعمل في البشارة عن السلطان إذا حدث له ولد فيكتب بالبشارة به إلى نواب السلطنة وأهل المملكة‏.‏

الصنف الرابع والعشرون ما يكتب عن السلطان بالبشارة بعافيته من مرض وهذه نسخة كتاب بعافية الملك الناصر محمد بن قلاوون من مرض إلى صاحب ماردين وهو‏:‏ ولا زالت البشائر على سمعه الكريم متواترة والمسار إلى مقام ملكه سائرة والتهاني ببلوغ الأماني من كمال شفائنا تجعل ثغور الثغور باسمة ووجوه الدهور ناضرة ونعم الله تعالى مقابلة بالشكر الجزيل على أن أجد ملك الإسلام بافتقاده وأبقي للدين المحمدي ناصره‏.‏

وأصدرناها إلى المقام العالي ومواردنا من الصحة حلوة في الأفواه وألسنتنا شاكرة لنعم الله وعافيتنا تجدد في كل جديد وصحتنا قد بلغت من المزيد ما نريد وقد ألبسنا الله تعالى من الشفاء ثوباً قشيباً ونصرنا نصراً عزيزاً وفتح لنا فتحاً مبيناً تهدي إليه سلاماً تتأرج به أرجاء ملكه وثناء تنظيم الأثنية في سلكه وتوضح لعلمه الكريم ما حصل من عافيتنا التي تضاعف بها فرح الإسلام والمسلمين ووجب الشكر عليهم والحمد لله رب العالمين‏.‏

الضرب الثاني من مقاصد المكاتبات ما يكتب عن السلطان في الجواب وكل معنى من المعاني الواردة بها الكتاب إليه يستق جوابه منها وغالب ما يعتنى به من ذلك جواب ما يرد من المكاتبات بالتقادم والهدايا وما في معنى ذلك‏.‏

وهذه أدعية من ذلك يستضاء بها في أوائل الأجوبة عن المعاني التي ترد فيها‏.‏

جواب سلطاني عن وصول خيل‏:‏ ولا زال يتحف بكل صاهل في الجحفل جمال في المحفل وأجرد إذا أم غاية لمعت في أثره البروق تتطفل ومسوم يلتزم جلاله بمزيد جلاله وكيف لا وهي إذ أسدلت عليه يتكفل أصدرناها والعطر يضوع من سلامها والمسك يفوح من ختامها وآثار الندى تحكي آثار أقلامها‏.‏

آخر في المعنى‏:‏ ولا زال محتفلاً بالجياد وإرسالها ومهدياً لركابنا الشريف السوابق التي إذا لم يسابقها شيء من الحيوان تجلت في مسابقة ظلالها وينتقي لمواكبنا الخيول التي إذا أصبحت في مدى أصبحت الرياح تتعلق بأذيالها‏.‏

أصدرناها‏.‏

آخر في مثله‏:‏ ولا زال يُهدي إلينا من الجياد بحراً ويقود من العراب ما تملأ غرته المواكب بشراً آخر في مثله‏:‏ وأعلى له صهوات العتاق مرتقى وخصه بكل جواد وهو منتقل إليه منتقى وأطلع عليه نواصي الصوافن التي عقد الخير بها عقداً موثقاً‏.‏

أصدرناها ونور التحايا من أرجائها ينير ومفاخرها تشرف بها كل منبر وسرير وركائب أثنيتها تسير إلى مقامه فتطيب راحلة في ذلك المسير‏.‏

آخر في مثله‏:‏ ولا زال يهدي من الجياد المسومة أصائلها ويتحف مما يحييه عند الوفادة عليه صاهلها ويقابل أكرم غرة الخير معقود بناصيتها واليمن يقابلها ويمتع بأعز جواد حلية الشفق دون إهابه إذ يماثلها وسرعة البرق خفته إذ يساجلها‏.‏

الضرب الثالث من الكتب السلطانية الكتب الصادرة عن نواب السلطنة إلى النواب بسبب ما يرد عليهم من المثالات السلطانية اعلم أنه قد جرت العادة بأنه إذا ورد على نائب السلطنة بالشام مثال شريف من الأبواب السلطانية يأمرهم كتب نائب الشام إلى نواب السلطنة بورود المثال الشريف مبشراً بذلك ويجهز إلى كل منهم مع المثال الوارد إلى كل نائب من نواب السلطان معنى المثال الوارد بذلك لا أنه مبتدئه ويشتمل ذلك على عدة أمور‏:‏ فمن ذلك جلوس السلطان على تخت الملك فيخبر نائب الشام في الكتاب الصادر عنه إلى بعض النواب بأن المثال الشريف ورد عليه بذلك وأنه ورد كتاب إلى المكتوب إليه فجهزه إليه‏.‏

وهذه نسخة كتاب من ذلك كتب به عن نائب الشام إلى بعض نواب السلطنة بالبشارة بسلطنة السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون وقد ورد على يد بعض الحجاب من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباته في سنة ثلاث وأربعون وسبعمائة وهي بعد الصدر‏:‏ أمتعه الله من البشائر بما يتوضح على جبين الصباح بشره وبما يترجح على ميزان الكواكب قدره وبما ينفسح من أوقات أمن لا يختصم في ظلها زيد وعمرو حتى يقال‏:‏ ولا زيد النحو وعمره‏.‏

وينهي بعد الدعاء يتبلج في الليل فجره وثناء يتأرج في طي النسيم نشره وولاء يتساوى في درجات الصفاء سره وجهره أن خير البشائر ما خص أولياء الدولة الشريفة وعم الرعايا وسما إلى ثغور الإسلام خبره الجلي فقال‏:‏ - وافر - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا‏.‏

وقسمت مسرته على كافلي الممالك فقالت مملكة مولانا - وافر - لنا المرباع منها والصفايا‏.‏

وسلك المملوك من الإسراع بإشاعته الحق الواجب وجهز خدمته بين يدي المثال الشريف الذي سبق طائر يمنه ولكنه جاء في خدمته حاجب وهي البشرى الواردة في الأمثلة الشريفة السلطانية المالكة الملكية الصالحية العمادية العريقة في نسب النصر بالأنساب الناصرية المنصورة أعلى الله تعالى أبداً على قواعد الملك عمادها وصرف بها الأعنة لما سر وصرفها عما دهي بجلوسه على كرسي المملكة الذي هو آية سعده الكبرى وتخت السلطنة الذي عاينه ملك الجود والعلم فقال‏:‏ السلام عليك بحراً وإجماع الأمة على أنه صالح المؤمنين وكفاة الحل والعقد على أنه سلطان الإسلام والمسلمين وأركان البيت الناصري على أنه عماده وعلى أنه سنده المكمل وإذا انقض بيت سناده فيا له جلوساً قامت فيه كواكب السعد مشدودة المناطق ويا له إجماعاً اتفق فيه - حتى من تصميم السيوف وتعبير الأقلام - كل صامت وناطق ويا له بيت ملك أبى الله إلا أن يقيم وزنه أفضل الأفاعيل ويا له ملكاً قال الدهر الطويل انتظاره‏:‏ ‏"‏ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل ‏"‏‏.‏

ويا له أمراً بلغ خبره وخبره الأوطار والأوطان ونفذت برده المصرية على حين فترة تالية له السعود‏:‏ ‏"‏ فأنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ‏"‏‏.‏

وحشير الناس ضحى ليوم الزينة وجاءوا إليها مستبشرين من أدنى وأقصى كل من في المدينة وضربت البشائر ويا عجباً‏!‏ إنها تضرب ومكانتها من القلوب مكينة‏.‏

حتى إذا أخذت مصر حظها من الهناء قسمت على الأمصار وأضاء بارق نشرها من كل وجه فسمت بالشامات غرة الأبصار وركض بريد الخير بمبارك باب البريد ووصل نيل النيل إلى أنهار دمشق فبردى على الشكر ثابت ويزيد وبشر الإسلام من وجه الخلف الصالح بأكرم من بر واستفاض الاسم الشريف فلو كلف مشتاق فوق وسعه لسعى إليه المنبر‏.‏

فالحمد لله على أن سر البيت الشريف الناصري بجمع شمله وعلى أن أتى الملك العقيم الصالح من أهله وقد جهز المملوك المثال الشريف المختص بمولانا ومولانا أولى من انتظمت لديه درر هذه الأخبار الثمينة وعظمت بناحيته شعائر هذه الدولة المكينة وكمل لخير حماه خير قرينة والله تعالى يعز الإسلام بعزمه ويمضي الآجال والأرزاق على يدي حربه وسلمه وينجز لرأيه ورايته النصر قبل أن يطوف الأولياء بعلمه وقبل أن يحيط الأذكياء بعلمه‏.‏

ومن ذلك الكتابة بورود مثال شريف بعافية السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في خلافة الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهي بعد الألقاب‏:‏ أورد الله عليه من الهناء كل سري يسره وكل سني يقر أمام ناظره الكريم ويقره وكل وفي إذا طلع في آفاق حلب قيل‏:‏ لله دره ولا زالت البشائر تلقاه بكل وجه جميل وبكل جلي جليل وبكل خبرٍ تصح الدنيا بصحته فليس بها عنبر النسيم عليل تقبيلاً يزاحم عقود الثغور ويكاد يمنع ضم الشفتين للثم طول الابتسام والسرور وينهي بعد رفع اليد بدعائه وضم الجوانح على ولائه وجزم الهناء المشترك بمسرة مولانا وهنائه أن المثال الشريف زاده الله شرفاً وزاد فضل سلطانه على العباد سرفاً ورد بالبشارة العظمى والنعماء التي ماضاهتها الأيام قبل بنعمى والمسرة التي يأكل حديثها أحاديث المسرات أكلاً لماً ويحبها الإسلام والمسلمون حباً جماً بسلامة جواهر الجسد الشريف من ذلك العرض وشفائه الذي في عيون الأعداء منه شفار تطعن وفي قلوبهم مرض وأن مادة الأدواء بحمد الله قد انحسمت والواردة من الافتقاد بالأجر والعافية قد ابتسمت وأن ظنون الإشفاق قد اضمحلت ونسمات الروض قد فدت الجسم الشريف فاعتلت وأخبار الهناء يعينها بريد نشوان من الفرح ينشد أسائلها أي المواطن حلت فيا لها بشارة خصت الإسلام وعمت بنيه وسارت فوق الأرض وسرت تحتها أسلاف الملك ومبتنيه وشملت البلاد وعبادها والسلطنة وقد حجب الله عمادها عما دهى والملك السليماني وقد ثبت الله به على الدنيا من السماء خيمتها ومن الجبال أوتادها والطير وقد حملت ورقه أوراق السرور والوحش وقد قالت مهاه‏:‏ على عيني أتحمل ذلك السقام أو ذلك الفتور ‏"‏ ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً ‏"‏ والألطاف الراحم بها المؤمنين من خلقه ‏"‏ وكان بالمؤمنين رحيماً ‏"‏‏.‏

وكان ورود هذا المثال الشريف على يد فلان فيا له من وارد لمشارع الأمن أورده ولروائع الناس عن القلوب حجب أورد وقد جهزه المملوك بالمثال الشريف المختص بمولانا وهذه الخدمة بعد أن ضربت البشائر مسوغة في كل ضرب من التهاني وزينت البلد زينة ما نظمت فيها غير العقود أيدي الغواني فيأخذ حظه من هذه البشرى ونصيبه من هذا الوجه الذي ملأ الوجود بشراً وشطره من الهناء المخصوص الذي تعجل منه المملوك شطراً والله تعالى يسره بكل خير تشرق زواهره وتعبق في كمائم الدروج أزاهره ويتألق على يد بريده من المخلفات كل كوكب صبح تملأ الدنيا بشائره‏.‏

ومن ذلك المكاتبة بورود المثال الشريف بوفاء النيل‏:‏ إذا ورد على نائب الشام بوفاء النيل المبارك كتب نائب الشام نفسه إلى نائب حلب وغيره من نواب السلطنة بالممالك الشامية بورود المثال الشريف عليه بذلك ويكتب عنه كما يكتب عن السلطان من السجع وإيراده مورد البشارة وإظهار الفرح والسرور بذلك لا يكاد يخالفه إلا في كونه وارداً مورد الحكاية لمثال السلطان ومثال السلطان مخبر بذلك ابتداء‏.‏

وهذه نسخة مثال كريم من ذلك عن نائب الشام من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة كتب به لسنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وهي بعد الصدر‏:‏ لا زالت مبشرة بكل مبهجة معطرة الأرجاء بكل سائرة أرجة ميسرة الأوقات بمقدمتي سماع وعيان كلاهما للمسار منتجة مستحضرة في معالي الكرم كل دقيقة تشهد بسطة النيل أنها أرفع منه درجة وينهي بعد الدعاء ما الروض أعطر من شذاه ولا ماء النيل وإن كرم وفاء بأوفى من جداه أن المرسوم الشريف زاده الله تعالى شرفاً ورد بوفاء النيل المبارك وحبذا هم من وفي موافي ومتغير المجرى وعيش البلاد به العيش الصافي وحسن الزيارة والرحيل ما ضاهته الغيوث في ولافي ووارد من معبد بعيد وحميل لا جرم أن مده ثابت ويزيد وجائد إذا تتابع حيث تياره يقلد بره ودره من الأرض وساكنها كل جيد وإذا ذكر الخصب لمكان عيده المشهود ألقى السمع وهو شهيد وذلك في يوم كذا وأن البلاد جبرت بكسر خليجه واستقامت أحوالها بتفريجه وأثنت عليه بآلائه ووسمت لونه الأصهب على رغم الصهباء بأحسن أسمائه وخلق فملأت الدنيا بشائر مخلقه وعلق ستره المصري التبري فزكا على معلقه وحلق مسير تراعه على القرى فبات على الندا ضيف نحلقه وحدث عن البحر ولا حرج وانعرج على البقاع يلوي معصمه فلله أوقات ذلك اللوى والمنعرج واستقرت الرعايا آمنين آملين وقطع دابر الجدب بسعود هذه الدولة القاهرة ‏"‏ وقيل الحمد لله رب العالمين ‏"‏ ورسم أن لا يجبى حق بشارة ولا تعبث يد التنقيص منها ليزداد الخبر نوراً على نور ويكون في إيثاره وحسنه الخبر الحسن المأثور ووصل بهذا الخبر فلان وعلى يده مثال شريف يختص بمولانا وقد جهز به فيأخذ مولانا حظه من هذه البشرى ويوضح بها على كل الوجوه بشراً والله تعالى يملأ له بالمسرات صدراً ويضع بعدله عن الرعية إصراً ويسرهم في أيامه بكل وارد يقول الإحسان لمحتمله‏:‏ ‏"‏ لو شئت لاتخذت عليه أجراً ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة كتاب آخر في المعنى إلى بعض النواب من إنشاء جمال الدين بن نباتة أيضاً وهي بعد الصدر‏:‏ وضاعف مواد نعمته ونعمائه ومسرته وهنائه وحفظ عليه ما وهبه من المناقب التي يروي النيل عن كرمه ووفائه وشرف السيوف لكونها من سمات كرمه والسيول لكونها من سمائه‏.‏

المملوك يجدد الخدمة بنفحات سلامه وثنائه ويصف ولاءً لو تجسم لاستمدت عين الشمس من سنائه وينهي أن المرسوم الشريف زاده الله تعالى شرفاً ورد مبشراً بوفاء النيل المبارك في يوم كذا فيا له ربيعاً جاء في ربيع وحاملاً في مفرده الفضل للجميع وداعياً بالخصب ينشد كل ثانية اثنين ريحانة للداعي السميع ومتغنياً على منصة المقياس عرسه يجلى عليه من شباكها الستر الرفيع وأنه أقبل والبلاد أشهى ما تكون للقياه وأشوق ما ترى لمباشرة ريه ورياه وقد امتدت أيدي الجسور لفمه واستعدت شفاه الحروف اللعس للثمه فكرم عليها زائره وصحبها بالنجح ساريه وسائره ودارت على الجدب من خطوط الأمواج دوائره وعمت المنافع وتلقت عيون الفلا ناهلة بالأصابع وفاض البحر ببره ونشر رداء على الأرض وسيضوع روضها بنشره وخلق المقياس فيا لك من قياس بشرى غير ممنوع وكسر الخليج فيا له غصن قلم على النيل وطائر سجعه على الفرات مسموع ورسم أن لا يجبى حق بشارة ولا يدخل فيها النقيص لدار ولا التنغيص لدارة ووصل بهذا الأمر فلان وقد جهز بما على يده والله تعالى يمتع مولانا من أقسام المسار بصنوف ويدفع عن حصون الإسلام بيمنه أيدي الصروف وينفعها بظلاله التي آواها الكريم إلى جنة وكذلك الجنة تحت ظلال السيوف‏.‏

الضرب الرابع من المكاتبات السلطانية ما يكتب عن النواب والأتباع إلى الخليفة أو السلطان وفيها مهيعان المهيع الأول في الأجوبة عن الكتب السلطانية السابقة في الضرب الأول قد تقدم في الكلام على مقدمة المكاتبات في أول هذه المقالة ذكر الخلاف‏:‏ عليه السلام هل الكتب الابتدائية أعلى رتبة في الإتيان بها أم الجوابية وذكر الاحتجاج لكل من المذهبين وذكر التحقيق في ذلك فليراجع من موضعه هناك‏.‏

ونحن نذكر الكلام على أجوبة الكتب السابقة على الترتيب المتقدم جارين في ذلك على ما قرره في مواد البيان‏.‏

فأما الجواب عن الكتاب الوارد بانتقال الخلافة إلى الخليفة فإن الكتاب إن كان متضمناً التعزية في سلفه والهناء بمتجدد النعمة عنده في انتقال الخلافة إليه فالرسم فيما يكاتب به عن الحليفة أن يبنى على الاستبشار بالنعمة في خلافته والمسارعة بإخلاص الضمير إلى الدخول في طاعته وبيعه وانفساح الآمال في دولته والشكر لله تعالى على جبر الوهن وعلو كلمة الإسلام والمسلمين بدعوته وتعزية عن أبيه بما يوجبه محل المحنة ويقتضيه يعني إن كان الخليفة الميت أباه فالدعاء له بأن ينهضه الله تعالى بما حمله ويهينه على ما كفله ويقرن ملكه بالجد السعيد والخلود والتأييد وإدالة الأولياء وإذالة الأعداء ونحو هذا مما يجاريه‏.‏

وإن كان الكتاب الوارد بانتقال الخلافة إليه عن أبيه ومن في معناه ممن يواليه في المحبة فإن الكاتب يحوم في الجواب على ما حصل بذلك من صلاح حال الأمة واستقامة أمر الرعية بانتقال الخلافة إليه من غير أن يصرح بذم الذاهب قبله‏.‏

ولا يخفى أن الجواب عن ورود الكتاب بانتقال السلطنة إلى السلطان وجلوسه على تخت الملك في معنى الجواب في انتقال الخلافة إلى الخليفة لا يكاد يفرق بينهما على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة بالدعاء إلى الدين فإنما يتكلفها كتاب مخالفي الملة لأنها إنما تصدر إليهم‏.‏

قال في مواد البيان‏:‏ إلا أنه لا غنى لكتاب الإسلام عن علم ما يقع فيها لتتقدم عندهم المعرفة بما يجيب به المخالفون فيأخذوا عليهم بأطراف الحجة إذا كاتبوهم ابتداء أو أحدها‏:‏ إجابة الدعاء إلى الدين وقبول الإرشاد والهدى والنزوع عن الغي والإقبال على التبصرة والتذكرة بعقائد خالصة ونيات صريحة‏.‏

والثاني‏:‏ الإصرار على ما هم متمسكون به وتمحل الشبهة في نصرته وادعاء الحق فيما يعتقدونه والمغالطة عن الإجابة إلى قبول ما دعوا إليه‏.‏

والثالث‏:‏ بذل الجزية والمصالحة والجنوح إلى السلم والموادعة‏.‏

والرابع‏:‏ إظهار الحميمة والقيام في دفاع من يروم اقتسارهم على مفارقة شرائعهم وأديانهم وبذل الأنفس في مقارعته‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة بالحث على الجهاد فقد ذكر في مواد البيان أنها لا تخرج عن معنيين‏:‏ أحدهما‏:‏ إجابة الصريخ والمبادرة إلى التشمير في الجهاد والقيام في معونة الأولياء على كفاح الأعداء‏.‏

والثاني‏:‏ الاعتذار والتعلل والتثاقل‏.‏

هذا إن كانت الكتب الصادرة إلى القواد والمتقدمين أما إذا كانت مقصورة على الاستنفار فلا جواب لها إلا النفور أو الإمساك‏.‏

قال في مواد البيان‏:‏ والطريق إلى إقامة العذر للمستصرخ في التأخر عن مستصرخه متى أراد الاعتذار عنه صعب على الكاتب ولا سيما إذا كانت الأعذار متكلفة غير صحيحة‏.‏

قال‏:‏ وينبغي أن يتأتى لذلك ويحسن التلطف فيه ولا يعتل بكذب صراح ينكشف للمعتذر إليه‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة بالحث على لزوم الطاعة إذا وردت على النواب والولاة وأمروا بقراءتها في أعمالهم على الرعايا فإنه يكون‏:‏ إما بانقياد الرعايا إلى ما دعوا إليه أو استدامتهم لمركب النفاق واستدعاء مادة لتقويمهم‏.‏

وأما الجواب عن الكتب إلى من نكث عهده من المتعاهدين فقد ذكر في مواد البيان أنها لا تخلو من أحد أربعة معان‏:‏ أولها‏:‏ الاعتذار والاستقالة من مراجعة النكث والرغبة في الصفح عن النبوة والمسامحة بالهفوة‏.‏

والثاني‏:‏ المغالطة والمراوغة واستعمال المداهنة والمخادعة‏.‏

والثالث‏:‏ التجليح والمكاشفة‏.‏

والرابع‏:‏ إيجاب الحجة على المجوب عنه في أنه المبتدئ بفسخ ما عاقد عليه‏.‏

قال‏:‏ والكاتب إذا كان ماهراً كسا كل معنى من هذه المعاني الغرض اللائق به في الصناعة‏.‏

وأما الجواب عن الكتب إلى من خلع الطاعة فقد قال في مواد البيان‏:‏ إنها تحتمل معنيين‏:‏ أحدهما الاعتذار والآخر الإصرار وكل واحد منهما محتاج إلى عبارة لائقة به ثم قال‏:‏ والكاتب إذا كان حاذقاً عرف سبيل التخلص فيها بمشيئة الله تعالى‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة بالفتوح فإنها إن صدرت من السلطان إلى ولاته فينبغي أن يبنى جوابها على الاستبشار بموقع النعم في الظفر بالعدو والجذل بمتجدد الفتح وأن ذلك إنما تهيأ بسعادته وعلو رأيه وانبساط هيبته وما عوده من إظهار أوليائه وخذلان أعدائه وأنهم قد أشاعوا هذا النبأ في الخاصة والعامة من رعاياه فابتهجوا به وشكروا الله تعالى عليه ودعوا له بصالح الدعاء‏.‏

وإن صدرت من ولاة الحرب إلى السلطان فينبغي أن يكون ما يجيبهم به مبنياً على حمد الله تعالى على عوارفه والرغبة في مضاعفة لطائفه وشكره على إنجاز وعده في الإظفار بأعداء الملة والدولة ونحو هذا‏.‏

ومخاطبة أهل الطاعة بما يرهف عزائمهم ويقوي شوكتهم وتقريظ والي الحرب ووصفه بما يشحذ بصيرته في الخدمة والثناء على الأجناد ووعدهم بجزيل الجزاء على الجهاد والإبلاء إلى غير هذا مما يقتضيه الحال ويوجبه تدبير الأمر الحاضر‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة بالاعتذار عن السلطان عندما يحصل له زلل في التدبير أو في الظفر بقبض الأعداء على جيش من جيوشه فإنما تقع الإجابة عنها إذا نفذت إلى أحد العمال خصوصاً‏.‏

قال في مواد البيان‏:‏ وحينئذ فينبغي أن يكون الجواب عنها مبنياً على تقوية نفس السلطان وتوثيقه بالأدلة وأن ما ناله لا يتوجه كثيراً على ذوي الحرام إلا أن عواقب الفلج والظفر والإصابة في الرأي والتدبير تكون لهم ونحو هذا مما يجاريه ويليق به‏.‏

قال‏:‏ أما إذا كانت المكاتبة في ذلك إلى الكافة ممهدة لعذر السلطان قاطعة قالة الرعية عنه فإنه لا جواب عنها لأنها إذا لم توجه إلى واحد بعينه لا يستدعي خطاباً‏.‏

وأما الجواب في الكتب الواردة عن السلطان بالنهي عن التنازع في الدين إذا صدرت إلى العمال وأمروا بقراءتها على الرعايا على منابر أعمالهم فإنه يبنى الأمر فيها على امتثال الأمر والمطالعة بارتسام القوم ما رسم لهم فيها‏.‏

أما إذا كانت صادرة لتقرأ على العامة ليبصروا ما فيها ويعملوا عليه فإنه لا جواب عنها لأنها إنما تشتمل على مواعظ ومراشد تتخول بها الأئمة رعاياهم‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة بالأوامر والنواهي فقد ذكر في مواد البيان أن الكتب الواردة في ذلك إن كان شيئاً قد جزم المتبوع فيه الأمر وضيق على التابع في إيثاره سبيل المراجعة فيه فإن الجواب عنه سهل لأنه إنما يجب بجواب جامع وهو وقوفه على ما أمر به وإنفاذه له‏.‏

وإن كان الوارد أمراً محتملاً للمراجعة من حيث أن إمضائه إذا أمضي إفساداً للعمل وإخلالاً بأسباب الملك والسلطان فالجواب عنه شاق صعب لأنه ينبغي أن يبنى على تلطف شديد في الإبانة عما ينتجه ذلك المأمور به إذا أنفذ على الوجه من فتق وخلل ومورد المراجعة في ألفاظه لا يتبين فيه إزراء على رأي الرئيس ولا طعن في تدبيره بأن يكون ناطقة بأن رأيه الأعلى وتدبيره الأصوب فيكون باطن الكلام توقيفاً على الصواب وظاهره تصويباً وتقريظاً لأن كثيراً من الرؤساء والملوك يعجبون بآرائهم وينزلون بحكم الرياسة في منزلة من لا يراجع ولا يعارض فيما يأمر به‏.‏

قال‏:‏ وقد تأتي من كتب الأوامر كتب يأمر الرئيس فيها المرؤوس بشرح حال واقتصاص أمور‏.‏

ثم قال‏:‏ وأجوبة هذه الكتب يجب أن تكون مستقصية للمعنى المنشرح مستولية على حواشيه غير مخلة بشيء مما يحتاج إلى تعرفه منه‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الإمام عند حدوث الآيات السماوية وهي مشتملة على مواعظ ومراشد يتخول بها الأئمة رعاياهم فإذا صدرت إلى العمال وأمروا بقراءتها على الرعايا فأجوبتها إنما تبنى على امتثال الأمر والمطالعة بارتسام القوم ما رسم لهم فيها‏.‏

أما إذا كانت صادرة لتقرأ على العامة ليتبصروا بما فيها ويعملوا عليه فإنه لا جواب عنها‏.‏

وأما الجواب عنه بالتنبيه على مواسم العبادة فإنه يصدر عمن ورد عنه إلى الإمام بعد شهور ذلك الموسم والانفصال عنه على حال السلامة كما في صلاة العيد ونحوها قال في مواد البيان‏:‏ وأجوبتها تصدر إلى الخلفاء مقصورة على ذكر ما من الله تعالى به من قضاء الفريضة على حال الائتلاف والاتفاق وشمول الأمن والهدي والسكون وسبوغ النعمة على الكافة وأن ذلك بسعادة وعناية الله تعالى بدولته وبرعيته ونحوها مما يقتضيه المعنى‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الإمام إلى ولاة أمره بالسلامة في ركوب أول العام وغرة رمضان والجمعة الأولى والثانية والثالثة منه وعيدي الفطر والأضحى وفتح الخليج بعد وفاء النيل فقد قال في مواد البيان‏:‏ إنه إن كان الكتاب عن السلامة في صلاة العيدين أو جمع رمضان فينبغي أن يكون مبنياً على ورود كتبه متضمنة ما أعان الله تعالى عليه أمير المؤمنين من تأدية فريضته والجمع في صلاة عيد كذا برعيته وما ألبسه الله تعالى من الهدي والوقار وأفاضه عليه من البهاء والأنوار وبروزه في خاصته وعامته إلى مصلاه وسماع خطبته وعوده إلى قصره الزاهر وعليه تلألأ القبول لصلاته ودعائه مما أجراه الله تعالى فيه على عادة آلائه ووقف عليه وقابله بالشكر والإحماد والاعتراف والاعتداد وافتضه على رؤوس الأشهاد فأغرقوا في شكر الله تعالى على الموهبة في أمير المؤمنين ورغبوا إليه إطالة بقائه مرامياً عن الإسلام والمسلمين ونحو هذا مما يجاريه‏.‏

ثم قال‏:‏ فإذا نفذت هذه الكتب من العمال إلى أمير المؤمنين مبشرة باجتماع رعاياه لتأدية فريضتهم وعودهم إلى منازلهم سالمين فينبغي أن يكون الجواب عنها‏:‏ وصل كتابك متضمناً ما لا يزال الله تعالى يوليه لأمير المؤمنين في رعيته وخاصته وعامته من اتفاق كلمتهم وائتلاف أفئدتهم وسلامة كافتهم وما من الله به عليه وعليهم من اجتماعهم لتأدية فريضتهم وعودهم إلى منازلهم على السلامة من ضمائرهم والطهارة من سرائرهم فحمد أمير المؤمنين الله تعالى على ذلك وسأله مزيدهم منه وتوفيقهم لما يرضيه عنهم وشكر مسعاك في سياستهم وامتداد يدك في إيالتهم وهو يأمرك أن تجري على عادتك وتسير فيهم بجميل سيريك وما يليق بهذا‏.‏

ثم بنى على ذلك سائر كتب السلامة وقال‏:‏ ينبغي أن يستنبط من النفس كل كتاب منها المعنى الذي يجب الإجابة به مثل أن يكون الكتاب ورد من أمير المؤمنين إلى أحد عماله مبشراً بسلامته من سفره فينبغي أن يبنى جوابه على ما صورته‏:‏ ورد كتاب أمير المؤمنين مبشراً عبده بما هيأه الله تعالى له من السلامة ويمن الوجهة مع تقريب الشقة وإنالة المسار وتسهيل الأوطار وإدناء الدار فوقف العبد عليه وامتثل المرسوم في إطلاع الأولياء على ما نص فيه من هذه البشرى فعظمت المنحة لديهم وجلت النعمة عندهم وانشرحت صدورهم وانفسحت آمالهم ووقفوا بصنع الله تعالى لهم وارتفعت أيديهم إلى الله سبحانه بالرغبة في حياطة أمير المؤمنين قاطناً وظاعناً وحسن صحابته حالاً وراحلاً وجميل الخلافة على من خلفه من حامته وعامته وأهل دعوته وخاصة دولته والله تعالى يجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء ويمده بطول البقاء‏.‏

وما ينتظم في سلك هذا الكلام ويضاهيه‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم في الكلام على المكاتبة السلطانية الابتدائية أن المكاتبة بالبشارة بالسلامة في ركوب العيدين وما في معناهما من قدوم السفر وغيره قد ترك استعماله بديوان الإنشاء في زماننا‏.‏

فإن قدر مثله في هذه الأيام أجراه الكاتب على نحو ما تقدم على ما تقتضيه مصطلح الزمان في المكاتبات السلطانية‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة بالخلع وما في معنى ذلك فينبغي أن يكون مبنياً على تعظيم المنة والاعتراف بجزالة المنحة وجميل العطية وزائد الفضل وأن ما أسدي إليه من ذلك تفضل عليه وتطول من غير استحقاق لذلك بل فائض فضل وجزيل امتنان وأنه عاجز عن شكر هذه النعمة والقيام بواجبها لا يستطيع لها مكافأة غير الرغبة إلى الله تعالى بالأدعية لهذه الدولة وما يناسب ذلك من الكلام ويلائمه‏.‏

وأما الجواب عن الكتب بالتنويه والتقليب إذا صدرت إلى نواب المملكة فالذي ذكره في مواد البيان أن المنوه به يجيب عما يصله من ذلك بوصول الكتاب إليه ووقوفه عليه ومعرفته بقدر العارفة مما تضمنته الرغبة إلى الله تعالى في إيزاعه الشكر ومعونته على مقابلة النعمة بالإخلاص والطاعة‏.‏

أما إذا كتبت بالتنويه والتقليب لأحد من المقيمين بحضرة الخلافة فإنه لا جواب لها‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة بالإحماد والإذمام فيختلف الحال فيه فإن كان الكتاب الوارد بالإحماد والتقريظ فجوابه مقصور على الشكر الدال على وقوع ذلك الإحماد موقعه من المحمود ومطالبته لنفسه بالخروج من حقه باستفزاع الوسع في الأسباب الموجبة للزيادة منه‏.‏

وإذا كان الكتاب بالإذمام فإن كان ذلك لموجدة بسبب أمر بلغه عنه من عدو أو حاسد نعمة أو منزلة هو مخصوص بها من رئيسه كان الجواب بالتنصل والمقابلة بما يبرئ ساحته وأن يورد ذلك بصيغة تزيل عن النفس ما سبق إليها وتبعث على الرضا‏.‏

وكذلك في كل واقعة بحسبها مما يحصل به التنصل والاسترضاء ونحو ذلك‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة مع الإنعام السلطاني فعلى نحو ما سبق في الخلع من تعظيم المنة والاعتراف بجزالة المنحة وجميل العطية وزيادة الفضل وما في معنى ذلك مما تقدم ذكره‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الخليفة أو السلطان بتجدد ولد فإنه يكون بإظهار السرور والاغتباط وزيادة الفرح والسرور بما من الله تعالى به من تكثير العدد وزيادة المدد والرغبة وأما الجواب عن الكتب الواردة بعافية الخليفة أو السلطان من مرض كان قد عرض له فطريقه حمد الله تعالى وشكره على ما من الله تعالى به من العافية وتفضل به من إزاحة المرض ووقاية المكروه وإظهار الفرح والسرور بذلك‏.‏

وما ينخرط في هذا السلك‏.‏

وأما الجواب عن الكتب الواردة بالتعزية بولد أو قريب فإنه يظهر فيه الغم والحزن والكآبة وحمد الله تعالى على سلامة نفسه والرغبة إلى الله تعالى في الخلف عليه إن كان الميت ولداً مع الدعاء بطول البقاء وخلود الدولة وما يجري هذا المجرى‏.‏

وهذه نسخ أجوبة عن مكاتبات سلطانية مما يكثر وقوعه ويتعدد تكراره يستضيء بها الكاتب في كتاب الأجوبة ونسخ على منوالها‏.‏

نسخة جواب عن كتاب وصل من الخليفة بانتقال الخلافة إليه كتب به إلى أمير الأمراء قرين خلعة وسيف وتاج وسوارين من إنشاء أبي الحسين بن سعد وهو‏:‏ فإن كان سيدنا أمير المؤمنين بما أعلم من فضل مراعاته لأمور الدين وصدق عنايته بمصالح المسلمين وأفيض له من مواهب الله عندهم وصنوف نعنه عليهم فيما هداه من طرق الرشاد وبصره إياه من مناهج الصواب وقرنه به من التوفيق في عزائمه والجد في مراسمه وتوعده فيه بالخيرات التامة والكفاية العامة في كل أمر يمضيه ورأى يرتئيه اعتماداً له بحسن المعونة على ما استرعاه ووصله بالمزيد فيما خوله وأعطاه وحراسة ما ساقه إليه من إرث النبوة وحمل إياه من ثقل الإمامة لما عرفه من نهوضه بالعبء وقيامه بالحق فيما ناطه وأسنده إليه وتأمله ما تأمله من حال عبده الذي لم يزل لطاعته معتقداً وبعصمة ولايته معتضداً ولوقت يبلغه منزلة الإحماد ويحوز له عائدة الاجتهاد فيما أرضاه مرتصداً ولسعيه ونيته وظاهره وطويته معتمداً ووجوده أيده الله في يسير ما امتحن به بلاءه وعرف فيه غناءه موضعاً للصنيعة محتملاً للعارفة مقراً بحق النعمة عارفاً بقدر الموهبة وترقبه فرصة ينتهزها في إبداء عزمه وإمضاء رأيه وأنه واثق بالاستظهار بمكانه والإسهام له في عز سلطانه حتى أسفرت رويته واستقرت عزيمته فاختص عبده بجميل الأثر واصطفاه بلطيف الحظوة واعتمد عليه في إمارة الأمراء موفياً به على رتبة النظراء وكاسياً له حلة المجد والسناء ورد إليه تدبير الرجال وتقدير أمور العمال وشفع ذلك بالتكنية والتلقيب في مشاهد حفلته ومجالس خطوته وأكمل الصنع عنده بإلحاق عبده فيما قسم لكل واحد منهما من شريف حبائه وسني عطائه وتجاوز في التكرمة له إلى أعلى الأحوال وأرفع الرتب والمحال فيما أمر - أعلى الله أمره - بحمله إليه من الخلعة التي يبقى شرف لباسها على الأيام ويخلد ذكرها على الدهور والأعوام والسيف الذي تفاءل لعبده فيه بما يرجو يمن مولاه وسعادة جده أن يحققه الله في الاعتماد به على أعدائه وغمده في نحور مشاقيه وغامصي نعمائه والتاج المرصع الذي نظم له جوامع الفخر والوشاح الموشى الذي وشحه حلية الجمال مدى الدهر والطوق الذي طوقه قلائد المجد والسوارين اللذين آذناه بقوة العضد وبسطة اليد واللواء المعقود به مفاتح العز في طاعته المرفوع به معالم النصر على شانئ دولته ووصل إلي وفهمته‏.‏

وسيدنا أمير المؤمنين فيما أكرمه الله به من خلافته وأتمنه من الحكم على بريته ووكله إليه من حقوق الدين وحياطته كرم المسلمين وإحياء السير الرضية والسنن الحميدة وإماطة الأحكام الجائرة والمظالم الظاهرة وتقويم أود المملكة بعد تزعزع أركانها وتصدع بنيانها وإعزاز الأمة وإيناسها بعد أن اشتملت الذلة عليها وتمكنت الوحشة فيها وحكم اليأس في آمالها وغلب القنوط على أطماعها وتفاءل بما اعتمده له وفوضه إلى نظره من الحلية بحقائقه والتوكيد بما لم تزل المخايل فيه لائحة والأمارات منه واضحة والشواهد به صادقة والدلائل عليه ناطقة حتى تدارك بنعمة الله الدين بعد أن طمس مناره وتعفت آثاره ودرست رسومه وغارت نجومه وأنحى الشيطان بجرانه واشرأب لتبديله بعدوانه وانتدب لنصرة الإسلام برأي يستغرق آراء الرجال وحلم يستخف رواسي الجبال وروية تستخرج كوامن الغيوب وتكشف عنها حنادس الشكوك وباع لما يمتد إليه بسيط وذراع لما ينتظم عليه رحيب وصدر يتسع لمعضلات الأمور ويشرق في مدلهمات الحوادث فشرد أعداء الله بعد أن اتصلت بهم مهلة الاغترار وتطاولت بهم مدة الإصرار ومد رواق الملك وضرب قبابه وثبت أواخيه وأحصد أسبابه وقطع أطماع الملحدين وأبطل كيد الكافرين وفت في أعضاد المنابذين فتحصنت البيضة واجتمعت الكلمة واتفقت الأهواء المتفرقة وانتظمت الآراء المتشعبة وسكنت الدهماء المضطربة وقرت القلوب المنزعجة وصدقت خواطر الصدور المثلجة وظهر الحق ورسخ عموده وبهر جماله ونضر عوده ونشرت أعلامه وطلعت سعوده وعز أولياؤه ونصرت جنوده وساخ بالباطل قدمه وانقطعت وصائله وعصمه وانبتت حباله ورممه وانحلت أسبابه وذممه حقيق بما بان من فضله واستفاض من الأمة من عدله وعم كافة الرعية من طوله ووصلت إلى الملي والذمي والداني والقاصي عائدة الخير في أيامه وفائدة الأمن بمملكته وسلطانه ومأمول لأفضل ما بدا لعبده من ثمرة اجتبائه واصطفائه وما تغمده به من النعم العظيمة والمواهب الجسيمة وأسبغه عليه من العوارف السنية ورفعه إليه من المنازل العلية التي تقصر عنها همم ذوي الأقدار وتقف دونها آمال أولي الأخطار مقدماً له على أهل السوابق من أنصار دولته وأشياع دعوته‏.‏

فلو ترافدت ألسن العباد - أيد الله أمير المؤمنين - على اختلاف لغاتهم وتباين طبقاتهم وتفاوت حالاتهم في مقابلة نعمة سيدنا التي أعشى العيون بهاؤها وتأدية حقوقه التي أعيا المجتهدين قضاؤها لكانت حيث انتهت وأنى تصرفت على استفراغ القدرة واستنفاذ الطاعة غير متقاربة حداً من حدودها ولا مؤدية فرضاً من فروضها وإذا كان الأمر على ذلك - أيد الله أمير المؤمنين - في فوت الإحسان مقادير الشكر وإيفائه على مبالغ الوسع فقصد عبده في جبر النقيصة وسد الخلة والازدياد في الطاعة والإخلاص في المولاة والمشايعة وإدامة الابتهال إلى الله تعالى ورفع في المعونة عبد أمير المؤمنين على مجافاة بلائه والتفرد بجزائه وتجديد المسألة في إطالة بقائه في عز لا تبلى جدته وسلطان لا تنتهي مدته ومواد من مناسجه وموائده وروادف من عوائده متظاهرة لا ينقطع منها أول حتى يلحق تاليه ولا ينصرم سالفه حتى ينصرف آتيه ويكون المآل بعد استيفاء شروط الأمل وتقضي حدود المهل إلى النعيم المقيم في جوار العزيز الكريم‏.‏

ومن تمام إفضال سيدنا على عبده ونظام معروفه عنده بدؤه إياه بما يمتحن به خفة نهضته وسرعة حركته وقعوده لأمره بحد حديد وبعيش عتيد وصمده لما يحظيه لذلك مولاه ويجوز له حمده ورضاه بصدق بصيرة وخلوص سريرة واستسهال لكل خطة وتجشم لكل مشقة دنت المسافة أم شسعت قربت الطية أم نزحت وسيدنا أهل لاستتمام يد ابتداها وإكمال عارفة أنشأها وكرامة ابتناها باستعمال عبده بأمره ونهيه واعتماد لمهماته بحضرته وفي أطراف مملكته إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وهذه نسخة كتاب أنشأته ليكتب به إلى أمير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس خليفة العصر عن نائب الغيبة بالديار المصرية حين وردت كتبه الشريفة من الشام إلى الديار المصرية بالقبض على الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالشام واستبداده بالأمر دون السلطان معه في أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة مفتتحاً له بيقبل الأرض التي يكاتب بها الملوك‏.‏

وإن كان قد تقدم من كلام المقر الشهابي بن فضل الله أن المكاتبة إلى أبواب الخلافة بالدعاء للديوان لا يختلف فيه ملك ولا سوقة وهو‏:‏ يقبل الأرض وينهي ورود المثال الأشرف الميمون طائره المرقوم على صفحات الأفلاك تهانيه المحمول على متن الحساب بشائره الشاهد بالفتح المبين أوائله وبالنصر العزيز أواخره متضمناً ما من الله تعالى به من جميل الصنع الذي وكفت بالخير سحائبه وخفي اللطف الذي بهرت العقول عجائبه بما منح الله تعالى به مولانا أمير المؤمنين مد الله تعالى الإسلام وارف ظله وأنام الأنام بمد رواق الإمامة المعظمة في مهاد عدله ومكن له في الأرض كما مكن لآبائه الخلفاء الراشدين من قبله من جلوسه على سدة الخلافة المقدسة التي وصل منقطع حديثها بإسناده حاز منها بأشرف مقعد تراث آبائه الكرام وأجداده وابتسم ثغر الخلافة بعباسه وتآنس منها جانب الدين بعد الاستيحاش بإيناسه فقبل المملوك له الأرض خاضعاً ولبى أوامره الشريفة ضارعاً وأجاب داعيه بالامتثال سامعاً طائعاً وسجد سجود الشكر لذلك فعرف بسيماه وانتسب إلى الولاة الشريف الإمامي انتساباً شاملاً لاسمه ومعناه وأعلم من قبله من الأمراء والأجناد بذلك فقابلوه بالاستبشار طراً وتلقوها تلقياً يليق بمثلها وإن كان لا مثل لهذه البشرى وقرئت المطلقات الشريفة على المنابر فسكنت الدهماء وقرت وسرت ألفاظها إلى الأسماع الشيقة فسرت وكررت ألفاظها العذبة مراراً فحلت لدى النفوس إذ مرت وارتفعت الأصوات بالدعاء بدوام هذه الدولة النبوية دواماً لا يستشعر مستشعر خلافته فحقيق ظهور معجزة أكرم مرسل بعد الثمانمائة بقوله لعمه العباس‏:‏ ‏"‏ ألا أبشرك يا عم بي ختمت النبوة وبولدك تختم الخلافة ‏"‏‏.‏

وهذه نسخة جواب عن نائب طرابلس عن مثال شريف ورد بوفاة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون واستقرار ولده السلطان الملك الناصر أبي بكر مكانه في الملك بعهد من أبيه من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري بعد التعزية بأبيه السلطان الملك الناصر وهي‏:‏ وينهي ورود المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه يتضمن أمر المصاب الذي كادت لوقوعه الأرض تتزلزل بأهلها والعقول تتزيل عن محلها وبلغت القلوب الحناجر واستوحشت القصور واستأنست المقابر وتصدعت له صدور السيوف رؤوس المنابر وقصم الظهور وشيب السود من الشعور وجرع كؤوسه وصدع الحوزة المحروسة وذلك بما قدر الله تعالى من انتقال مولانا السلطان السعيد الشهيد والد مولانا السلطان - خلد الله ملكه - إلى رحمته ورضوانه فأجرى المملوك عوض الدموع دماً وأقام الإسلام والمسلمون عليه مأتماً وتغير البدر المنير لفقده فأمسى مظلماً وندبه الإسلام في سائر محاريبه ومصلاه وأسف عليه البيت الحرام وركناه ‏"‏ إنا لله وإنا إليه راجعون ‏"‏ ‏"‏ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ‏"‏‏.‏

لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أشرق منها ذلك اليوم كل شيء ويوم قبض أظلم منها كل شيء وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أثبت الناس يوم وفاته صلى الله عليه وسلم وهو الخليفة من بعده ومولانا السلطان الشهيد - قدس الله روحه - كان متشرفاً باسم نبيه ومتبركاً في ذريته الشريفة بذكر سميه ولو ذابت المهج أسفاً عليه لما أنصفت وقد أسفت عليه الأمم بأسرها وحق لها أن أسفت نبتت لحومنا من صدقاته وغمرت المملوك مجزلات هباته وما نقل من قصره إلا إلى جنات النعيم وما فارق ملكه إلا وبات في جوار الله الكريم وكان سلطاننا وهو اليوم عند الله سلطان فسقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان‏.‏

وبحمد الله قد جبرت القلوب المنصدعة بجلوس مولانا السلطان - خلد الله ملكه - على تخت السلطنة المعظمة والله معه وما جلس على كرسي الملك إلا أهله ولا قام بأمر المسلمين إلا من علم فضله ومولانا السلطان وارث الملك الناصري المنصور حقاً والقائم بشأن السلطنة غرباً وشرقاً وخلاصة هذا البيت الشريف زاده الله نصراً وأدام ملكه دواماً مستمراً والعيون الباكية قد قرت الآن بهذه البشرى والقلوب الثاكلة قد ملئت بهجة‏:‏ ‏"‏ إن مع العسر يسرا ‏"‏ واستقر الإسلام بعد قلقه ونام على جفنه بعد أرقه واستقبلت الأمة عاماً جديداً وسلطاناً منصوراً سعيداً واستبشرت القبلتان وتناجى بالمسرة الثقلان والذين كفروا أمسوا خائبين والذين آمنوا أضحوا فرحين ‏"‏ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ‏"‏ ومولانا السلطان هو العريق في سلطنة الإسلام والإمام الأعظم بن الإمام فخلد الله ملكه ما دامت الأيام وأحسن عزاءه في خير سلطان الأنام وابتهلت الألسنة بالتراحم على مولانا السلطان الشهيد - قدس الله روحه - بدموع سائلة وقلوب موجوعة بجراحات النياحات ثم عوضوا بالمسرات الكاملة والدعاء مرفوع لمولانا السلطان - خلد الله ملكه - براً وبحراً والبلاد مطمئنة والعساكر على ما يجب من التمسك بالطاعة الشريفة والتشريف بإقبال دولة سلطانهم ووارث سلطانهم وكان المملوك يود لو شاهد مولانا السلطان - خلد الله ملكه - على ذلك السرير والمنبر وقبل الأرض بين يدي المواقف المعظمة والمقام الأكبر إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة جواب عن ورود المثال الشريف بركوب السلطان بالميدان والإذن للنواب في لعب الكرة وهي‏:‏ ينهي ورود المثال الشريف شرفه الله تعالى وعظمه يتضمن الصدقة التي أجرت أولياءها على أجمل عادة من الاحتفال والمراحم الشاملة التي وسعت لهم كرمها سافرة عن أوجه الإقبال والبشرى التي جمعت من أنواع المسرات ما بلغته الآمال وهو أن الركاب الشريف استقل إلى الميدان السعيد نهار السبت في كذا من شهر كذا في أسعد طالع وأيمن وقت مطاوع وفي الخدمة الشريفة من الأمراء - كثرهم الله تعالى - من جرت العادة بهم من كل كمي مقنع قد لبس من الطاعة برداً وبالإخلاص تدرع وامتطى من فائض الصدفات الشريفة صهوة سابق قد شمر للسباق ذيلاً وفر كبرق لمع ليلاً‏.‏

وأن مولانا السلطان - خلد الله ملكه - طلع عليهم طلوع البدر عند الكمال وحوله الممالك الشريفة كالأنجم الزاهرة التي لا تعد ولا تشبه بمثال والجياد لا يرى لها أثر من الركض والكرة تتشرف بالصولجان كما تتشرف بالتقبيل الأرض وعاد الركاب الشريف - زاده الله شرفاً وعظمه - إلى القلعة المنصورة إلى محل المملكة الشريفة وقد دست السلطنة المعظمة محفوفاً من الله تعالى بلطفه ‏"‏ له معقبات من بين يديه ومن خلفه ‏"‏‏.‏

وما اقتضته الآراء الشريفة والمراحم المطيفة وآثرت به إعلام المملوك بذلك والمرسوم الشريف - شرفه الله تعالى وعظمه - أن يتقدم المملوك بالنزول إلى ميدان فلانة المحروسة ومعه مماليك مولانا السلطان - خله الله تعالى ملكه - والأمراء فقابل المملوك هذه الصدقات بتقبيل الأرض ورفع الدعوات وجمعوا بين الكرة والصولجان وحصل لهم من المسرات ما لا يحصره بيان وانبسطت نفوسهم إذ أصبحوا في أمن وأمان وابتهلوا إلى الله تعالى بدوام هذه الأيام التي نوعتهم بأنواع الإحسان وضجوا بالأدعية لمولانا السلطان - خلد الله ملكه - التي عمت مواهبه وفاق بمكارمه الماضين وأربى على سلفه الشريف بالعطاء والتمكن جعل الله أعداءه تحت قهره إلى يوم الدين إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة جواب بوفاء النيل المبارك كتب به عن نائب طرابلس وهي‏:‏ وينهي ورود المثال الشريف - شرفه الله تعالى وعظمه - الذي أشرقت أنوار تهانيه وتألقت بروق ألفاظه ومعانيه فبشرت بفيض فضل الرحمة وعموم الرعايا بتواتر عميم النعمة ووفاء النيل المبارك الذي ما برح في هذه الأيام الزاهرة يفي بعهده ويسل سيف الخصب من غمده ويقتل المحل بحمرة متنه وجوهر حده مهنئاً للأولياء بهذه الدولة التي أصبحت قلوبهم مطمئنة بالأمن والرخاء مسرورة بما من الله به من ترادف الآلاء وعموم النعماء وحال ما ورد المرسوم الشريف - شرفه الله تعالى وعظمه - بادر المملوك إلى امتثال المرسوم الشريف بتقبيل الأرض والسمع والطاعة وأخذ كل حظه من هذه البشرى التي عمت تهانيها براً وبحراً وجعلت أمور هذه الأمة بيمن بركة هذه الأيام الشريفة بعد عسر يسراً وقد عاد فلان البريدي ومن معه إلى الأبواب الشريفة بالجواب الشريف طالع بذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

آخر في المعنى‏:‏ وينهي ورود المثال الشريف زاده الله علواً وشرفاً وبيض له في القيامة صحفاً يتضمن أنواع الإنعام الجزيل‏.‏

وإبداء آثار السرور بما يسر الله من وفاء النيل فأشرقت أنوار تهانيه وتألقت بروق ألفاظه ومعانيه فبشر بفيض فصل الرحمة وعموم الرعايا بتواتر عموم النعمة إذ جاء محياه في هذا العام طلقاً وسلك في عوائد البر والإحسان طرقاً وأذن ببلوغ المرام والمراد وكسر سد خليجه جبراً للعباد والبلاد حيث ملأ الأرض رياً وأهدى من نفحات الأمن والمن رياً والمرسوم الشريف - شرفه الله وعظمه - بأن لا يجبى على ذلك حق بشارة ولا يتعرض إلى أحد بخسارة فقابل المملوك المثال الشريف والمرسوم الشريف بتقبيل الأرض والسمع والطاعة وبادر المملوك إلى إذاعة هذا البشرى التي عمت تهانيها براً وبحراً وجعلت أمور هذه الأمة بيمن بركة هذه الأيام الشريفة بعد عسر يسراً واستنطق الألسنة بالدعاء لهذه الدولة القاهرة وجلا وتلا صور الهناء وسور الآلاء بهذه النعمة الوافية والمنة الوافرة وسأل الله تعالى أن يخلد ملك مولانا السلطان ويوالي أنباء البشائر في أيامه الشريفة مروية بالأسانيد الحسان وقد عاد فلان البريدي بالأبواب الشريفة - شرفها الله تعالى وعظمها - بهذا الجواب الشريف وقد عاين ابتهال أهل هذه المملكة الفلانية بالدعاء بدوام هذه الأيام الزاهرة السارة بهذه البشائر بخلوها من الكلف والخسارة وطالع بذلك‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة جواب عن مثال شريف بوصول فرس إنعام كتب به عن نائب طرابلس وهي‏:‏ يقبل الأرض وينهي ورود المرسوم الشريف أعلاه الله تعالى وشرفه ويتضمن ما اقتضته الآراء الشريفة من الخير التام والإنعام العام والصدقة الوافية الوافرة الأقسام التي ما برحت مماليك هذه الدولة الشريفة في إنعامها العميم تتقلب والخيل السوابق بسعادتها الأبدية تجلب وتجنب وتركب من تجهيز الحصان البرقي بسرجه ولجامه وعدته الكاملة وشمول المملوك بالصدقات التي ما برحت مترادفة متواصلة ولعبد هذا البيت الشريف شاملة وقبل المملوك الأرض وقبل حوافره واعتد بهذه النعمة الباطنة والظاهرة وأعده ليومي تجمل وجهاد ولقاء عدو وطراد والله تعالى يخلد هذه الصدقات الشريفة التي ما برحت تشمل القريب والبعيد والموالي من أولياء هذه الدولة الشريفة والعبيد طالع بذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة عن وصول خيل من الإنعام السلطاني من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود وينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها وتتخذ صهواتها حصوناً يعتصم في الوغى بصياصيها‏.‏

فمن أشهب غطاه النهار بحلته وأوطأه الليل على أهلته يتموج أديمه رياً ويتأرج رياً ويقول من استقبله في حلي لجامه‏:‏ هذا الفجر قد طلع بالثريا إن انفلت في المضايق انساب انسياب الأيم وإن انفرجت المسالك مر مرور الغيم كم أبصر فارسه يوماً أبيض بطلعته وكم عاين طرف السنان مقاتل العدو في ظلام النقع بنور أشعته لا يستن داحس في مضماره ولا تطمع الغبراء في شق غباره ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره تسابق يداه مرمي طرفه ويدرك شوارد البروق ثانياً من عطفه‏.‏

ومن أدهم حلك الأديم حال الشكيم له مقلة غانية وسالفة ريم قد ألبسه الليل برده وأطلع بين عينيه سعده يظن من نظر إلى سواد طرته وبياض حجوله وغرته أنه توهم النهار نهراً فخاضه وألقى بين عينيه نقطة من رشاش تلك المخاضة لين الأعطاف سريع الانعطاف يقبل كالليل ويمر كجلمود صخر حطه سيل يكاد يسبق ظله ومتى جرى السهم إلى غرض بلغه قبله‏.‏

ومن أشقر وشاه البرق بلهبه وغشاه الأصيل بذهبه يتوجس ما لديه بدقيقتين وينفض وفرتيه عن عقيقتين وينزل عذار لجامه من سالفتيه على شقيقتين له من الراح لونها ومن الرياح لينها إن جرى فبرق خفق وإن أسرع فهلال على شفق لو أدرك أوائل حرب بني وائل لم يكن للوجيه وجاهة ولا للنعامة نباهة ولكان ترك إغارة سكاب لؤماً وتحريم بيعها سفاهة يركض ما وجد أرضاً وإذا اعترض به راكبه بحراً وثب عرضاً‏.‏

ومن كميت نهد كأن راكبه في مهد وعندمي الإرهاب شمالي الذهاب يزل الغلام الخف عن صهواته وكأن نغم الغريض ومعبد في لهواته قصير المطا فسيح الخطا إن ركب لصيد قيد الأوابد وأعجل عن الوثوب الوحش اللوابد وإن جنب إلى حرب لم يزور من وقع القنا بلبانه ولم يشك لو علم الكلام بلسانه ولم ير دون بلوغ الغاية - وهي ظفر راكبه - ثانياً عن عنانه وإن سار في سهل اختال بصاحبه كالثمل وإن أصعد في جبل طار في عقابه كالعقاب وانحط في مجاريه كالوعل متى ما ترق العين فيه تسهل ومتى أراد البرق مجاراته قال له الوقوف عند قدره‏:‏ ما أنت هنا فتمهل‏.‏

ومن حبشي أصفر يروق العين ويشوق القلب بمشابهة العين كأن الشمس ألقت عليه من أشعتها جلالاً وكأنه نفر من الدجى فاعتنق منه عرفاً واعتلق احجالاً ذي الكفل يزين سرجه وذيل يسد إذا استدبرته منه فرجه قد أطلعته الرياضة على مراد فارسه وأغناه نضار لونه ونضارته عن ترصيع قلائده وتوشيع ملابسه له من البرق خفة وطئه وخطفه ومن النسيم لين مروره ولطفه ومن الريح هزيزها إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه يطير بالغمز ويدرك بالرياضة مواقع الرمز ويعدو كألف الوصل في استغناء مثلها عن الهمز‏.‏

ومن أخضر حكاه من الروض تفويفه ومن الوشي تقسيمه وتأليفه قد كساه النهار والليل حلتي وقار وسنا واجتمع فيه من السواد والبياض ضدان لما استجمعا حسنا ومنحه البازي حلة وشيه ونحلته الرياح ونسماتها قوة ركضه وخفة مشيه يعطيك أفانين الجري قبل سؤاله ولما لم يسابقه شيء من الخيل أغراه حب الظفر بمسابقة خياله كأنه تفاريق شيب في سواد عذار أو طلائع فجر خالط بياضه الدجى فما سجى ومازج ظلامه النهار فما أنار يختال لمشاركة اسم الجري بينه وبين الماء في السير كالسيل ويدل بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللوامع وبين البرقية من الخيل ويكذب المانوية لتولد اليمن فيه بين إضاءة النهار وظلمة الليل‏.‏

ومن أبلق ظهره حرم وجريه ضرم إن قصد غاية فوجود الفضاء بينه وبينها عدم وإن صرف في حرب فعمله ما يشاء البنان والعنان وفعله ما تريد الكف والقدم قد طابق الحسن البديع بين ضدي لونه ودلت على اجتماع النقضين علة كونه وأشبه زمن الربيع باعتدال الليل فيه والنهار وأخذ وصف حلتي الدجى في حالتي الإبدار والسرار لا تكل مناكبه ولا يضل في حجرات الجيوش راكبه ولا يحتاج ليله المشرق بمجاورة نهاره إلى أن تسترسل فيه كواكبه ولا يجاريه الخيال فضلاً عن الخيل ولا يمل السرى إلا إذا مله مشبهاه‏:‏ النهار والليل ولا تتمسك البروق اللوامع من لحاقه بسوى الأثر فإن جهدت فبالذيل فهو الأبلق الفرد والجواد الذي لمحاربه العكس وله الطرد قد أغنته شهرة نوعه في جنسه عن الأوصاف وعدل بالرياح عن مباراته لسلوكها له في الاعتراف جادة الإنصاف‏.‏

فترقى المملوك إلى رتب العز من ظهورها وأعدها لخطبة الجنان إذ الجهاد عليها من أنفس مهورها وكلف بركوبها فكلما أكمله عاد وكلما أمله شره إليه فلو أنه زيد الخيل لما زاد ورأى من آدابها ما دل على أنها من أكرم الأصائل وعلم أنها ليومي سلمه وحربه جنة الصائد وجنة الصائل وقابل إحسان مهديها بثنائه ودعائه وأعدها في الجهاد لمقارعة أعداء الله وأعدائه والله تعالى يشكر بره الذي أفرده في الندى بمذاهبه وجعل الصافنات الجياد من بعض مواهبه‏.‏